صقــر قريــش
من لنضـو يتنزى ألما **** بـرح الشوق به في الغلـس
حن للبان وناجى العلما **** أين شرق الأرض من أندلس
* * *
بلبـل علمه البين البيان **** بات في حبل الشجون ارتبـكا
في سماء الليل مخلوع العنان **** ضاقت الأرض عليه شبكا
كلما ستوحش في ظل الجنان **** جن فاستضحك من حيث بكى
ارتــدى برنسـه و التثما **** و خطى خطوة شيخ مرعس
و يــرى ذا حدب إن جثما **** فإن ارتـد بدا ذا قعـس
* * *
فمـه القـاني على لبتـه **** كبقـايا الـدم في نصل دقيق
مـده فانشق من منبته **** من رآى شقي مقص من عقيق
و بكى شجوا على شعبته **** شجو ذاك الثكل في الستر الرقيق
سـلَّ من فيه لسانـا عنما **** ماضيا في اللبث لم يحتبس
وتـرٌ من غير ضرب رنَّما **** في الدجى أو شرر من قبس
* * *
نفرت لوعته بعد الهــدوء **** و الدجى بيت الجوى و البرحا
يتعايـا بجنـاح و ينـوء **** بجناح مذ وهى ما صلحا
سائه الدهر و ما زال يسوء **** ما عليه لو أسا ما جرحا
كلما أدمى يديـه ندمــا **** سالتا من طوقه و البرنس
فنيـت أهدابـه إلا دمـا **** قام كالياقوت لم ينبجس
* * *
مد في الليل أنينا و خفــق **** خفقان القرط في جنح الشعر
فزعت منه النوى غير رمق **** فضلة الجرح إذا الجرح نغر
يتلاشا نزوات في حرق **** كذبال آخر الليـل استعر
لم يكن طوقا و لكن ضرما **** مـا على لبتـه من قبس
رحمة الله له هل علما **** أن تلك النفس من ذا النفس
* * *
قلت لليل و لليــل عـواد **** من أخو اللبث فقال ابن فراق
قلت ما واديه قال الشجو واد **** ليس فيه من حجاز أو عراق
قلت لكن جفنه غير جـواد **** قال شر الدمع ما ليس يراق
نغبط الطير و مـا نعلـم ما **** هـي فيــه من عذاب بَئِسِ
فدع الطيـر و حظا قسمـا **** صيـر الأيك كدور الأَنَس
* * *
ناح إذ جفناي في أسر النجوم **** رسفا في السهد و الدمع طليق
أيه الصارخ من بحر الهموم **** ما عسى يغني غريق عن غريق
إن هذا السم لي منـه كلـوم **** كلنـا نـازح أيـك و فريق
قلِّب الدنيا تجدها قسمــا **** صرفت من أنعم أو بُؤُس
و انظر الناس تجد من سلِما **** من سهام الدهر شجته القسي
* * *
يا شباب الشرق عنوان الشباب **** ثمرات الحسب الزاكي النمير
حسبكم في الكرم المحض اللباب **** سيرة تبقى بقاء ابني سمير
في كتاب الفخر للداخل باب **** لـم يلجـه من بَنِي الملك أمير
في الشموس الزهر في الشام انتمى **** و نمـى الأقمار بالأندلس
قعد الشـرق عليهـم مأتمـا **** و انثنى الغرب بهم في عرس
* * *
هل لكم في نبإ خيـر نبـأ **** حلية التاريخ مأثور عظيم
حل في الأنباء ما حلت سبأ **** منزل الوسطى من العقد النظيم
مثله المقدار يوما ما خبا **** لسليب التاج و العرش كظيم
يعجز القصاص إلا قلمــا **** في سوادٍ من هوىً لم يغمس
يؤثر الصدق و يجزي علما **** قلـب العالم لو لم يطمس
* * *
عن عصامي نبيـل معـرق **** فـي بناة المجد أبناء الفخار
نهضت دولتهم بالمشرق **** نهضة الشمس بأطراف النهار
ثم خان التاج ود المفرق **** و نبت بالأنجم الزهر الديار
غفلوا عن ساهر حول الحمى **** باسطا من ساعِدَي مفترس
حام حول الملك ثم اقتحما **** و مشى في الدم مشي الضِّرس
* * *
ثار عثمان لمروان مجاز **** و دم السِّبـط أثـار الأقربون
حسنوا للشام ثأرا و الحجاز **** فتغالى الناس فيما يطلبون
مكر سُوَّس على الدهماء جاز **** و رعاة بالرعايا يلعبون
جعلوا الحق لبغـي سلمـا **** فهـو كالستـر لهم و الترس
و قديمـا باسمـه قد ظلـما **** كل ذي مئذنـة أو جرس
* * *
جزيت مروان عن آبائها **** ما أراقوا من دماء و دموع
و من النفس ومن أهوائها **** ما يؤديه عن الأصل الفروع
خلت الأعواد من أسمائها **** و تغطت بالمصاليب الجذوع
ظلمت حتى أصابت أظلما **** حاصد السيف وبيء المحبس
فطنا في دعوة الآل لما **** همس الشاني و مالم يهمس
* * *
لبست برد النبي النيرات **** من بني العباس نورا فوق نور
و قديما عند مـروان تـرات **** لـزاكيـات مـن الأنفس نور
فنجا الداخل سبحا بالفرات **** تارك الفتنة تطغى و تنور
غس كالحوت به و اقتحمـا **** بين عِبْرَيْه عيون الحرس
و لقد يجدي الفتى أن يعلما **** صهوة الماء و متن الفرس
* * *
صحب الداخل من إخوته **** حدث خاض الغمار ابن ثمان
غلـب المـوج على قوتـه **** فكأن الموج من جند الزمان
و إذا بالشـط من شقـوتـه **** صائح صاح به نلت الأمان
فانثنى منخدعا مستسلما **** شاةٌ غترت بعهد الأطلس
خضب الجند به الأرض دما **** و قلوب الجند كالصخر القسي
* * *
أيها اليائس مت قبل الممات **** أو إذا شئت حيـاة فالرجا
لا يضق ذرعك عند الأزمات **** إن هي اشتدت و أمِّل فرجا
ذلك الداخل لاقى مظلمــات **** لـم يكن يامل منه مخرجا
قد تولى عـزه و انصـرما **** فمضـى من غده لم ييأس
رام بالمغرب ملكا فـرمى **** أبعد الغمر و أقصى اليبس
* * *
ذاك والله الغنى كل الغنى **** أي صعب في المعالي ماسلك
ليس بالسائل إن هم متى **** لا ولا الناظر ما يوحي الفلك
زايل الملـك ذويـه فأتـى **** ملـك قوم ضيعـوه فمـلـك
غمرات عارضت مقتحمـا **** عالي النفس أشم المعطس
كل أرض حل فيها أو حِمى **** منزل البدر و غاب البيهس
* * *
نزل الناجي على حكم النوى **** و توارى بالسرى من طالبيه
غير ذي رحل ولا زاد سـوى **** جوهر وافاه من بيت أبيه
قمر لاقى خسوفا فانـزوى **** ليـس من آبائـه إلا نبيـه
لم يجد أعوانـه و الخدمـا **** جانبـوه غير بدر الكيِّس
من مواليه الثقـاة القدمـا **** لم يخنه في الزمان الموئس
* * *
حين في افريقيا انحل الوئام **** و اضمحلت آية الفتح الجليل
ماتت الأمة في غير التئام **** و كثيـر ليس يلتـام قليـل
يمن سلت ظباها و الشـآم **** شـامَها هنديةً ذات صليل
فرق الجند الغنى فانقسما **** و غدى بينهم الحق نسي
أوحش السؤدد فيهم و سمـا **** للمعـالي من به لم تأنس
* * *
رُحموا بالعبقـري النابـه **** البعيـد الهمـة الصعب القياد
مد في الفتح و في أطنابه **** لم يقف عند بناء ابن زياد
هجر الصَّيد فما يَغنى به **** و هو بالملك رفيق ذو اصطياد
سل به أندلس هــل سلمـا **** من أخي صَيدٍ رفيقٍ مَرِس
جرد السيف و هز القلـما **** و رمى بالرأي أُم الخُلَس
* * *
بسلام يا شـراعا مـا درى **** ما عليه من حياة و سخاء
في جناح المَلَك الروح جرى **** و بريح حفها اللطف رُخاء
غسل اليمُّ جراحات الثرى **** و محا الشدة من يمحوا الرخاء
هل درى أندلس من قدِمـا **** داره مـن نحـو بيت المقدس
بسليل الأمـويـين سمـا **** فتح موسى مستقِر الأُسُس
* * *
أمـوي للعلـى رحلتــه **** و المعـالي بمطـي و طُرُق
كالهلال انفردت نقلتـه **** لا يجاريه ركاب في الأفق
بنيت من خُلُـقٍ دولتـه **** قد يشيد الدول الشُّم الخلق
و إذا الأخلاق كانت سلما **** نالـت النجم يد الملتمس
فارْق فيها ترق أسباب السما **** و على ناصية الشمس اجلس
* * *
أي ملك من بنايات الهمـم **** أسس الداخل في الغرب و شاد
ذلك النشيء في خير الأمم **** ساد في الأرض و لم يخلق يساد
حكمت فيه الليالـي و حكـم **** فـي عواديهـا قيــادا بقيـاد
سلب العز بشرق فرمـى **** جـانب الغرب لِعزٍ أقعس
و إذا الخيـر لعبـد قسمـا **** سنـح السعـد له في النحس
* * *
أيها القلب أحقٌ أنت جار **** للذي كان على الدهر يجير
هاهنا حل به الركب و سار **** و هنا ثاوٍ إلى البعث الأسير
فلك بالسعد و النحس مدار **** صرع الجام و ألوى بالمدير
هاهنا كنت ترى حُوَّ الدمى **** فاتنـات بالشفـاه اللعــس
ناقلات في العبيـر القدمـا **** واطئات في حبير السندس
* * *
خذ عن الدنيا بليغ العظة **** قـد تجلـت في بليغ الكلم
طرفاها جمعا في لفظة **** فتـأمـل طـرفيهـا تعلـم
الأماني حلـم فـي يقظـة **** و المنـايا يقظـة في حلم
كل ذي سقطين في الجو سما **** واقع يوما وإن لم يُغرس
و سيلقى حينه نسر السما **** يوم تطوى كالكتاب الدرس
* * *
أين يا واحدَ مروانَ علـم **** من دعاك الصقر سماه العقاب
راية صرفها الفرد العلم **** عن وجوه النصر تصريف النقاب
كنتَ إن جردت سيفا أو قلـم **** أبْت بالألباب أو دِنت الرقاب
مـا رأى الناس سـواه علمـا **** لـم يـُرَم في لجة أو يبس
أعلى ركن السماك ادَّعما **** و تغطــى بجنـاح القدس
* * *
قصرك المنية في قرطبةِ **** فيــه واروك ولله المصيـر
صدف خُطَّ على جوهرةِ **** بيد أن الدهر نباش بصير
لم يدع ظلا لقصر المنية **** و كذا عمر الأماني قصير
كنت صقرا قرشيا علما **** ما على الصقر إذا لم يُرْمَس
إن تسل أين قبور العظما **** فعلى الأفواه أو في الأنفس
* * *
كم قبور زينت جيد الثرى **** تحتها أنجس من ميت المجوس
كان من فيها و إن جازوا الثرى **** قبل موت الجسم أموات النفوس
و عظام تتـزكى عنبــرا **** من ثناء صرن أغفال الرموس
فاتخذ قبرك من ذكر فما **** تبـن من محمـوده لايطمس
هبك من حرص سكنت الهرما **** أين بانيه المنيع الملمس